الأكاديميون أم المؤلفون: من يملك النصيحة الأذكى في الادخار؟

هل الادخار عادة تُبنى أم معادلة تُحسب؟ رحلة بين نصائح المؤلفين ونماذج الأكاديميين

مع ازدياد اهتمام الناس مؤخرًا بإدارة أموالهم بطريقة أكثر كفاءة، ارتفع الطلب على المحتوى المتعلق بهذا المجال. على سبيل المثال، تمتلك منصة "ثمانية" وحدها ثلاثة بودكاستات تُعنى بالاقتصاد والمال، بالإضافة إلى نشرة بريدية متخصصة. ونظرًا لأن الحديث عن المال وإدارته لا يقتصر على من تخصصوا فيه أكاديميًا، فإن الاطلاع على المحتوى المُقدَّم من كتّاب ومهتمين خارج الإطار الأكاديمي يستحق التقدير والبحث ولأنه الأكثر انتشار وتداول بين الناس.

مستوى الاهتمام بالبحث عن كلمة ادخار في محرك جوجل في الممكلة العربية السعودية - المصدر Google Trends
مستوى الاهتمام بالبحث عن كلمة ادخار في محرك جوجل في الممكلة العربية السعودية - المصدر Google Trends

خذ مثلًا كتاب الأب الغني والأب الفقير لروبرت كيوساكي، الذي باع أكثر من 32 مليون نسخة منذ صدوره في التسعينات. (للمقارنة: كتاب الرجال من المريخ والنساء من الزهرة باع 60 مليون نسخة، بينما روايات هاري بوتر باعت أكثر من 600 مليون نسخة، وهو الأعلى مبيعًا). ورغم شهرة الكتاب وانتشاره، إلا أنه يُنتقد أحيانًا لتبسيطه المخل لبعض المفاهيم، والدعوة لاتخاذ قرارات مالية خطيرة، والتقليل من قيمة الوظيفة التقليدية.


جيمس جاو وطلابه جمعوا أشهر 50 كتابًا في مجال المالية الشخصية (المؤلفون) واستخلصوا أهم النصائح المشتركة بينها ثم قارنوها بالنصائح التي يقدمها الأكاديميون في أبحاثهم المبنية على نماذج تحليلية وخرجوا بعدة نتائج تستحق التأمل وهذه بعضها:

  1. الادخار والاستهلاك

    يميل المؤلفين دائمًا إلى تحديد نسبة معينة للادخار من إجمالي الدخل، دون مراعاة عمر المُدّخر أو وظيفته. والدافع وراء ذلك – كما هو الحال مع كثير من النصائح في هذه الكتب – هو تسهيل بناء العادة.


    في المقابل، يميل الأكاديميون إلى جعل نسب الادخار متغيرة بحسب عمر الإنسان. ويعود السبب إلى أنهم ينظرون أولًا إلى مقدار ما يجب أن يستهلكه الفرد ليحافظ على مستوى معيشي متوازن طوال حياته، أما الادخار فهو ما يتبقى من الدخل بعد الإنفاق الذي يحقق هذا التوازن. ويفترض هذا النموذج أن الإنسان يميل إلى تفضيل المنفعة الآنية من الحفاظ على مستوى معيشته، على حساب المنفعة المؤجلة من الادخار. وبما أن دخل الإنسان في بداية حياته يكون عادة أقل، فإن النتيجة المتوقعة وفق هذا النموذج هي أن تكون نسبة ادخار الفرد منخفضة أو غير موجودة في المراحل الأولى من حياته، ثم ترتفع في منتصف العمر، وتصبح سلبية عند التقاعد.

    أما المؤلفون فيضعون هدف الادخار أولا ثم الإنفاق. فكثير من النصائح في الكتب هدفها أن تبني عادة الادخار لدى الإنسان وهو شيء لا يُضمّنه الأكاديميون عادة في نماذمجهم التحليلية. فالانضباط وبناء العادات يُقدَّمان على تحقيق مستوى معيشي متوازن خلال عمر الانسان خاصة أن معظم هذه الكتب تربط الموضوع بـ سحر الفائدة المركبة. كذلك المؤلفون يحددون عادة نسبة يلتزم فيها الفرد لبناء هذه العادة ويتخلف المؤلفون في هذه النسبة فبعض الكتب تتطرف وتنصح بإدخار 50% أو أكثر بزعم أن ذلك أسرع لتحقيق الحرية المالية والانعتاق من الوظيفة!

    المؤلفون دائما يستصحبون مفهوم المحاسبة الذهنية عند توزيع الميزانية للصرف وذلك بحيلة نفسيه عبر توزيع الدخل على حسابات مخلتفة و كل حساب ذو هدف مختلف مثل حساب للطوارئ وحساب للادخار لشراء سيارة وحساب للصرف إلخ. بينما الأكاديميون يفترضون أن الانسان مستحضر دائما أن الدخل هو نفسه والمال قابل للاستهلاك حتى بعد تقسيمه بين عدة حسابات.

    قبل 100 عام لخص لنا مجمل نصائح الؤلفين في كتب المالية الشخصية جورج كلاسون في كتابه أغنى رجل في بابل ، يقول:

    ابدأ بملء محفظتك. ادخر ما لا يقل عن عُشر ما تكسبه. ادفع لنفسك أولًا قبل أن تدفع للآخرين. فكل دينار تدخره اليوم هو عبد يعمل من أجلك غدًا. دع هذه العبيد تنجب لك المزيد من العبيد الذين يكسبون المال نيابة عنك.

  2. توزيع الأصول

    المؤلفون يوصون دائمًا بالاستثمار في أسواق الأسهم على فترات زمنية طويلة، وذلك لتقليل المخاطر، لأن الأسواق تاريخيًا تميل إلى النمو. وهم يقيسون المخاطر بعدم وجود خسارة في رأس المال. بينما يتفق الأكاديميون في الغالب على أن الأسواق تنمو على المدى الطويل، إلا أنهم يرون أن المخاطر تُقاس بالتقلبات (الانحراف المعياري)، لا بمجرد غياب الخسارة.

    قد يبدو للقارئ أن هذا التفريق لا يغيّر من السلوك كثيرًا، لكن في الغالب يكون الأكاديميون أكثر تحفظًا في وصف السوق بأنه آمن على المدى الطويل. لذلك، تأتي بعض توصيات الأكاديميون بشأن الدخول للأسواق مشروطة بالنظر في مؤشرات مالية مثل "مكرر الربحية.

    أيضًا، نظرة الأكاديميون لتوزيع الاستثمارات بين الأسواق العالمية والسوق المحلي هي أن يكون توزيع الأسهم في المحفظة متناسبًا مع حجم كل سوق من الاقتصاد العالمي، وذلك لضمان تحوّط أكبر ضد تقلبات الأسواق. بينما يميل المؤلفون إلى بناء محافظ أكبر في الأسواق المحلية، وغالب المؤلفين لا يقدمون أسبابًا واضحة لهذه السياسة.

  3. التعامل مع الديون

    يركز الأكاديميون على الكفاءة في إطفاء الديون، مع تقديم سداد الديون ذات التكلفة الأعلى أولًا. بينما كثير من المؤلفين يفضلون البدء بالديون الأصغر، مع دفع الحد الأدنى لبقية الديون، وذلك لتحقيق شعور بالإنجاز والرضى، وتجنب الوقوع في حالة من الاضطراب المالي بسبب كثرة الديون. ديفد رامزي، من أنصار الرأي الأخير، يناقش من يقول إن البدء بالديون ذات الفائدة الأعلى أوفر من الناحية الرياضية، بأن: "لو كانت الحسبة الرياضية حاضرة في الأساس، لما وقع الإنسان في ديون فوق طاقته ليختار أيها يسدد أولًا!

    فالأكاديمي يريدك أن تتخلص من ديونك بأقل الخسائر، بينما المؤلفون يريدون أن يتأكدوا أنك ستتمكن من التخلص منها!

    في السياق المحلي، كثير من الناس يستدينون من أصدقاء وأقارب، وفي بعض الحالات قد يضطر الواحد منهم للاستدانة من البنك (دين بتكلفة) عشان يرد ديونه للأشخاص، ويتجنب الإحراجات الاجتماعية التي تترتب على التأخر في تسديد الدين للأفراد.

  4. الاستثمار الخامل والاستثمار النشط في أسواق الأسهم

ويتفق الفريقان على أشياء كثيرة، فمثلًا كلا الفريقين ينصحان بالاستثمار في صناديق المؤشرات الخاملة (مثل صندوق يقين المتداول في السوق السعودي). وذلك لأن الأبحاث عن السوق الأمريكي تُظهر أن معدل عائد الصناديق الخاملة يتفوق على معدل عائد الصناديق النشطة في أسواق الأسهم.

وحتى بعض المؤلفين الذين ينصحون بالاستثمار في الصناديق النشطة – مثل بيتر لينش الذي جمع ثروته بهذه الطريقة – يبنون نصائحهم على الأداء التاريخي لهذه الصناديق. لكن عددًا من بحوث الأكاديميون يُبيّن أن الأداء التاريخي للصناديق النشطة ليس بالضرورة دليلًا على أدائها المستقبلي.

ختامًا، نستطيع أن نقول إن الأكاديميين يحلّلون، والمؤلفون يبسّطون… وبين هذا وذاك، القرار عندك أنت. فالنصيحة الأذكى هي التي تناسب ظروفك وتستطيع أن تطبّقها اليوم قبل الغد.

المقالة لمن أراد الاستزادة.


الادخار
الدانة
الدانة

الدانة هي أكبر اللؤلؤ يفرح لرؤيتها الغواص والنوخذة والطواش!